المقدمة
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ,وجعلنا منهم .. وبعد :
مما لا ريب فيه أن الأدب العربي الحديث اتصل بالأدب الغربي قديمه وحديثه اتصالاً وثيقاً، وتأثر به تأثراً بالغاً قد يفوق تأثره بالأدب العربي القديم، كل ذلك عن طريق الاقتباس والتعريب والترجمة، واطلاع الأدباء العرب على الأدب الغربي في لغاته الأصلية، ويظهر ذلك من استحداث فنون أدبية جديدة في أدبنا العربي الحديث، أخذناها من الأدب الغربي كالملاحم والمسرحيات الشعرية، والمسرحيات التراجيدية والكوميدية.. وتقليد المذاهب الأدبية، كالكلاسيكية، والرومانتيكية، والرمزية.. لابد من الإشارة إلى أن النهضة الأدبية الأوروبية سعت منذ بزوغها إلى استلهام الأدب الإغريقي واللاتيني، وترسم منهجه وخطاه، واستغرقت في دراسته واستظهاره آثار أفلاطون.. وأرسطو، وهوميروس، وسوفوكليس، وشيشرون وغيرهم، وفي ظل هذه العناية الفائقة بآثار اليونان والرومان نشأ في أوروبا أول مذهب أدبي هو "الكلاسيكية"، ولكن هذا المذهب لم يكتب له الذيوع والانتشار إلا مدة محدودة، إذ قامت في إيطاليا وألمانيا وإنجلترا انتفاضات على هذا التقليد، وتمرد على تلك التبعية لآثار الإغريق والرومان، وبخاصة إذا عرفنا أن هذه الأقطار وأقطاراً أخرى كانت تسعى نحو الاستقلال والوحدة، وتنشد أدباً ذاتيا يعبر عن آمالها وآلامها وأفراحها وأحزانها، أن هذه المذاهب نشأت نتيجة لحالات نفسية وأوضاع اجتماعية سادت أوروبا.
وبعد هذه التوطئة التاريخية سوف نتحدث عن مذهب من المذاهب الأدبية وهو المذهب الكلاسيكي .
الفصل الأول
الباب الأول - مفهوم الكلاسيكية ونشأتها:
الكلاسيكية أول مذهب أدبي، نشأ في أوروبا بعد الحركة العلمية والنهضة الأدبية التي سادت أوروبا إبان القرن الخامس عشر من الميلاد، وتعد فرنسا الموطن الأول الذي نشأت فيه الكلاسيكية، ونمت وترعرت، ويحدد "لانسون" فترة وجودها في الأدب الفرنسي من عام 1549م حتى عام 1615م، ووضعت أصولها وقواعدها وأسسها حوالي عام 1630م، وذلك بظهور طائفة من زعماء هذه المدرسة من أمثال: شابلان، وأسكديري، والناقد بوالو.
والكلاسيكية في معناها اللغوي مشتقة من الكلمة اللاتينية: "كلاسيس Classis، وتطلق في الأصل على مجموعة من السفن الحربية أو التجارية،أي : "وحدة في الأسطول" ، كما تطلق ـ أيضاً ـ على: "الفصل الدراسي"، ويترجمها الأستاذ أحمد حسن الزيات بـ: "الاتباعية"، ولعل في ترجمته لها شيئاً من التجوز، وبخاصة إذا عرفنا اشتقاقها اللغوي، ولكنها ـ على أية حال ـ أدق معنى وأصدق دلالة من تفسيرها بالقديم أو التليد. أو ما رادف هذين من ألفاظ لسبب بسيط، وهو أن الاتباعية فيها إلماع إلى المنهج الذي تقيدت به الكلاسيكية.
وعندما ظهرت الحركة العلمية في أوروبا، وذلك بعد نزوح علماء بيزنطة وأدبائها إلى إيطاليا، حاملين معهم المخطوطات الإغريقية واللاتينية القديمة، أخذ الأوروبيون يعملون على نشر تلك المخطوطات ودراستها، واستنباط خصائصها وقواعدها تلك التي أ**بتها الخلود والبقاء، مستضيئين في ذلك بكتابي أرسطو المشهورين: "الخطابة" و"الشعر"، وبقصيدة هوراس الشاعر الروماني الطويلة المسماة: "فن الشعر".
فالتراث اليوناني والروماني في الأدب والفن بصفة عامة هو التكئة التي اتكأت عليها الكلاسيكية منذ نشأتها، ومنه استمدت أصولها ومبادئها. ولكن يجب أن لا يغرب عن البال أن الأصول النظرية التي وضعها أرسطو هي التي تعد في نظر الكثيرين أصل الكلاسيكية، ومن المعروف أن أرسطو لم يتطرق في كتابه: "الشعر"، إلا إلى الملاحم والدراما، واهتم بالأدب التمثيلي بفرعيه: التراجيديا، والكوميديا.
وبذهب بعض الباحثين بناء على هذا إلى أن أغلب الأصول الفنية التي تعصبت لها الكلاسيكية كانت في الواقع الأصول الخاصة بالدراما والتراجيديا، بحيث نستطيع أن نقول: إن أصول الكلاسيكية تنحصر في الأدب التمثيلي، وهو الأدب الذي انصرفت إليه جهود الكلاسيكيين، وتميزوا به. ومن الخير أن نشير إلى تلك الجهود اللغوية، ومن ثم الجهود الفلسفية التي ساعدت على تأصيل هذا المذهب واكتماله.
في القرن السادس عشر من الميلاد تألفت جماعة من شعراء فرنسا بزعامة الشاعر: "روتسار 1524 ـ 1585م"، أطلقت على نفسها جماعة: "الثريا"، وعملت على إحياء اللغة وتجديد أساليبها، ومحاكاة النماذج العالية من أدب اليونان والرومان، وأصدر الشاعر "دي بللي" أحد أعضائها كتابه "دفاع عن اللغة الفرنسية" عام 1549م، هاجم فيه أولئك الذين يكتبون إلى الشعب الفرنسي باللاتينية، ويتجاهلون لغته التي تميزت معالمها، ونادى بالانصراف عن الموضوعات الشعرية التافهة، كالأدب الكنسي وأدب الفرسان، وضرورة الإقبال على الموضوعات الشعرية الجليلة التي أقبل عليها الإغريق والرومان.
ثم أتى بعده الشاعر الكبير "ماليرب 1555 ـ 1628م"، وكان له أثر بعيد في تهذيب اللغة وتطويرها، وامتاز شعره بالفخامة، والجزالة والرصانة، وإحكام النسج، واختار لشعره موضوعات جليلة ذات طابع إنساني، ولم يسمح لعاطفته الجياشة الفياضة أن تطغى على شعره، بل لاءم بينها وبين عقله، واستخف بما عمله "رونسان" وجماعته من الدعوة للأخذ باللغة الشعبية، وإغنائها بألفاظ جديدة، مبتكرة، أو مقتبسة. والأدب عند "ماليرب" إلهام وصنعة وموهبة ومعاناة، وهو يرى ـ أيضاً ـ أن لكل انفعال عاطفي أو نفسي وزنه ونبرته. وقد أعجب بهذه المعاني ورددها الشاعر والناقد الفرنسي الكبير "بوالو ـ 1636 ـ 1711مـ، في قصيدته الطويلة: "فن الشعر"، التي حاكى فيها هوراس في مطولته: "فن الشعر، أو خطاب إلى آل بيزون" ، وعلى هذا الأساس يمكن لنا أن نعد الشاعر "ماليرب" من رواد المذهب الكلاسيكي، في حين أن ما عمله رونسار وجماعته يعد في صميمه انشقاقاً على هذا المذهب.. ولو أن "رونسار" حاول أن يحيي فن الملاحم ـ وهو جزء من تراث الإغريق الأدبي ـ وذلك بإنشاء ملحمته المسامة "الفرنسياد"، التي يقص فيها البطولات وأعمال التضحيات التي أتى بها "فرانسوا" الأول في غزوه لإيطاليا، بسبب أن محاولته الملحمية تلك فشلت، بحيث لم تجد رواجاً بين الناس، حيث إن عصر الملاحم ـ فيما يبدو ـ كان قد ولى، الأمر الذي صرفه وصرف جماعته إلى الشعر الغنائي، والمناداة بأخذ لغة فرنسية جديدة مستقلة عن اللاتينية، ولا شك أن هذا بعيد كل البعد عن روح الكلاسيكية ومبادئها، لما سبق أن ذكرنا أنها تنحصر غالباً في الأدب التمثيلي.
وفي سنة 1634م أنشأ الكاردينال "دي ريشيليو" وزير الملك لويس الثالث عشر المجمع اللغوي الفرنسي، وقام هذا المجمع بوضع قاموس لغوي ترسم فيه خطوات الشاعر "ماليرب".
هذا عن الجهود اللغوية. أما الجهود الفلسفية، فتتمثل في جهد فيلسوفين عظيمين، رسما للأدب بفلسفتهما اتجاهاته الفكرية ، بعده فنّا له في الحياة الإنسانية رسالة سامية ، وآراء هذين الفيلسوفين تعد الوجه الحقيقي للكلاسيكية، وصنعت فلسفتهما وعاءً فكرياً نظرياً مجرداً لتحديد مسار هذا المذهب، والفيلسوفان هما "ديكارت 1596 ـ 1650م"، و"باسكال 1623 ـ 1662م".
ففي سنة 1637م أصدر "ديكارت" كتاباً في الفلسفة بعنوان: "خطاب في المنهج"، وفيه يقرر عدم التسليم بشيء ما لم يوضع تحت مجهر العقل، فيفحصه ويتحقق من وجوده، وذهب أيضاً إلى أن العقل هو الموصل الوحيد إلى الخير والمعرفة، وما يرفضه العقل يجب علينا أن نرفضه، وهو في هذا يذهب مذهب المعتزلة، الذين يحكمون عقولهم فيما يعرض لهم، وهو صاحب المبدأ المشهور "أنا أفكر، فأنا إذا موجود"، ومبدأ "الشك أساس اليقين". وإنصافاً للحقيقة التاريخية لابد من أن أشير إلى أن مبدأ "الشك أساس اليقين"، كان أحد المبادئ التي بنى عليها المعتزلة مذهبهم، وعنه صدرت ما أثر عنهم من مناظرات ومجادلات ـ كما هو معروف ـ في "علم الكلام"، وقد طبق الجاحظ هذا المبدأ تطبيقاً عمليا في كتابه المشهور "الحيوان"، وبه أخذ الدكتور طه حسين في دراسته للشعر الجاهلي.
فالعقل عند ديكارت يكبح أهواء النفوس، والنزعات الضارة، والإرادة تدفع إلى العمل الخير النافع. ولقد تأثر كثير من الأدباء في إنتاجهم الأدبي بفلسفة ديكارت، ويرى النقاد أن ذلك ماثل بصفة خاصة في مآسي كورني.
وكما اعتمد ديكارت على العقل، فإن باسكال اعتمد عليه أيضاً، فالعقل عنده نقطة البداية، كما أنه نقطة النهاية، ويبدو ذلك واضحاً في كتابيه "الريفيات" ، و"الأفكار"، وقد امتاز بأسلوب منطقي ساحر جذاب ـ وبخاصة في كتابه الريفيات ـ وهذا ماجعل فولتير "1694 ـ 1778م"، يثني على هذا الكتاب، ويصفه بأنه نموذج حي من سطوة المنطق، وحرارة العاطفة، وكان موضوعياً في كتاباته، يسعى إلى تمثيل الحق والخير والجمال، وهذا المذهب هو الذي قامت عليه الكلاسيكية، وباسكال في أدبه ينحو منحى أرسطو اليوناني، وهوراس الروماني، في حين أن الأدب يجب أن تتوافر فيه الفائدة واللذة الفنية.
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ,وجعلنا منهم .. وبعد :
مما لا ريب فيه أن الأدب العربي الحديث اتصل بالأدب الغربي قديمه وحديثه اتصالاً وثيقاً، وتأثر به تأثراً بالغاً قد يفوق تأثره بالأدب العربي القديم، كل ذلك عن طريق الاقتباس والتعريب والترجمة، واطلاع الأدباء العرب على الأدب الغربي في لغاته الأصلية، ويظهر ذلك من استحداث فنون أدبية جديدة في أدبنا العربي الحديث، أخذناها من الأدب الغربي كالملاحم والمسرحيات الشعرية، والمسرحيات التراجيدية والكوميدية.. وتقليد المذاهب الأدبية، كالكلاسيكية، والرومانتيكية، والرمزية.. لابد من الإشارة إلى أن النهضة الأدبية الأوروبية سعت منذ بزوغها إلى استلهام الأدب الإغريقي واللاتيني، وترسم منهجه وخطاه، واستغرقت في دراسته واستظهاره آثار أفلاطون.. وأرسطو، وهوميروس، وسوفوكليس، وشيشرون وغيرهم، وفي ظل هذه العناية الفائقة بآثار اليونان والرومان نشأ في أوروبا أول مذهب أدبي هو "الكلاسيكية"، ولكن هذا المذهب لم يكتب له الذيوع والانتشار إلا مدة محدودة، إذ قامت في إيطاليا وألمانيا وإنجلترا انتفاضات على هذا التقليد، وتمرد على تلك التبعية لآثار الإغريق والرومان، وبخاصة إذا عرفنا أن هذه الأقطار وأقطاراً أخرى كانت تسعى نحو الاستقلال والوحدة، وتنشد أدباً ذاتيا يعبر عن آمالها وآلامها وأفراحها وأحزانها، أن هذه المذاهب نشأت نتيجة لحالات نفسية وأوضاع اجتماعية سادت أوروبا.
وبعد هذه التوطئة التاريخية سوف نتحدث عن مذهب من المذاهب الأدبية وهو المذهب الكلاسيكي .
الفصل الأول
الباب الأول - مفهوم الكلاسيكية ونشأتها:
الكلاسيكية أول مذهب أدبي، نشأ في أوروبا بعد الحركة العلمية والنهضة الأدبية التي سادت أوروبا إبان القرن الخامس عشر من الميلاد، وتعد فرنسا الموطن الأول الذي نشأت فيه الكلاسيكية، ونمت وترعرت، ويحدد "لانسون" فترة وجودها في الأدب الفرنسي من عام 1549م حتى عام 1615م، ووضعت أصولها وقواعدها وأسسها حوالي عام 1630م، وذلك بظهور طائفة من زعماء هذه المدرسة من أمثال: شابلان، وأسكديري، والناقد بوالو.
والكلاسيكية في معناها اللغوي مشتقة من الكلمة اللاتينية: "كلاسيس Classis، وتطلق في الأصل على مجموعة من السفن الحربية أو التجارية،أي : "وحدة في الأسطول" ، كما تطلق ـ أيضاً ـ على: "الفصل الدراسي"، ويترجمها الأستاذ أحمد حسن الزيات بـ: "الاتباعية"، ولعل في ترجمته لها شيئاً من التجوز، وبخاصة إذا عرفنا اشتقاقها اللغوي، ولكنها ـ على أية حال ـ أدق معنى وأصدق دلالة من تفسيرها بالقديم أو التليد. أو ما رادف هذين من ألفاظ لسبب بسيط، وهو أن الاتباعية فيها إلماع إلى المنهج الذي تقيدت به الكلاسيكية.
وعندما ظهرت الحركة العلمية في أوروبا، وذلك بعد نزوح علماء بيزنطة وأدبائها إلى إيطاليا، حاملين معهم المخطوطات الإغريقية واللاتينية القديمة، أخذ الأوروبيون يعملون على نشر تلك المخطوطات ودراستها، واستنباط خصائصها وقواعدها تلك التي أ**بتها الخلود والبقاء، مستضيئين في ذلك بكتابي أرسطو المشهورين: "الخطابة" و"الشعر"، وبقصيدة هوراس الشاعر الروماني الطويلة المسماة: "فن الشعر".
فالتراث اليوناني والروماني في الأدب والفن بصفة عامة هو التكئة التي اتكأت عليها الكلاسيكية منذ نشأتها، ومنه استمدت أصولها ومبادئها. ولكن يجب أن لا يغرب عن البال أن الأصول النظرية التي وضعها أرسطو هي التي تعد في نظر الكثيرين أصل الكلاسيكية، ومن المعروف أن أرسطو لم يتطرق في كتابه: "الشعر"، إلا إلى الملاحم والدراما، واهتم بالأدب التمثيلي بفرعيه: التراجيديا، والكوميديا.
وبذهب بعض الباحثين بناء على هذا إلى أن أغلب الأصول الفنية التي تعصبت لها الكلاسيكية كانت في الواقع الأصول الخاصة بالدراما والتراجيديا، بحيث نستطيع أن نقول: إن أصول الكلاسيكية تنحصر في الأدب التمثيلي، وهو الأدب الذي انصرفت إليه جهود الكلاسيكيين، وتميزوا به. ومن الخير أن نشير إلى تلك الجهود اللغوية، ومن ثم الجهود الفلسفية التي ساعدت على تأصيل هذا المذهب واكتماله.
في القرن السادس عشر من الميلاد تألفت جماعة من شعراء فرنسا بزعامة الشاعر: "روتسار 1524 ـ 1585م"، أطلقت على نفسها جماعة: "الثريا"، وعملت على إحياء اللغة وتجديد أساليبها، ومحاكاة النماذج العالية من أدب اليونان والرومان، وأصدر الشاعر "دي بللي" أحد أعضائها كتابه "دفاع عن اللغة الفرنسية" عام 1549م، هاجم فيه أولئك الذين يكتبون إلى الشعب الفرنسي باللاتينية، ويتجاهلون لغته التي تميزت معالمها، ونادى بالانصراف عن الموضوعات الشعرية التافهة، كالأدب الكنسي وأدب الفرسان، وضرورة الإقبال على الموضوعات الشعرية الجليلة التي أقبل عليها الإغريق والرومان.
ثم أتى بعده الشاعر الكبير "ماليرب 1555 ـ 1628م"، وكان له أثر بعيد في تهذيب اللغة وتطويرها، وامتاز شعره بالفخامة، والجزالة والرصانة، وإحكام النسج، واختار لشعره موضوعات جليلة ذات طابع إنساني، ولم يسمح لعاطفته الجياشة الفياضة أن تطغى على شعره، بل لاءم بينها وبين عقله، واستخف بما عمله "رونسان" وجماعته من الدعوة للأخذ باللغة الشعبية، وإغنائها بألفاظ جديدة، مبتكرة، أو مقتبسة. والأدب عند "ماليرب" إلهام وصنعة وموهبة ومعاناة، وهو يرى ـ أيضاً ـ أن لكل انفعال عاطفي أو نفسي وزنه ونبرته. وقد أعجب بهذه المعاني ورددها الشاعر والناقد الفرنسي الكبير "بوالو ـ 1636 ـ 1711مـ، في قصيدته الطويلة: "فن الشعر"، التي حاكى فيها هوراس في مطولته: "فن الشعر، أو خطاب إلى آل بيزون" ، وعلى هذا الأساس يمكن لنا أن نعد الشاعر "ماليرب" من رواد المذهب الكلاسيكي، في حين أن ما عمله رونسار وجماعته يعد في صميمه انشقاقاً على هذا المذهب.. ولو أن "رونسار" حاول أن يحيي فن الملاحم ـ وهو جزء من تراث الإغريق الأدبي ـ وذلك بإنشاء ملحمته المسامة "الفرنسياد"، التي يقص فيها البطولات وأعمال التضحيات التي أتى بها "فرانسوا" الأول في غزوه لإيطاليا، بسبب أن محاولته الملحمية تلك فشلت، بحيث لم تجد رواجاً بين الناس، حيث إن عصر الملاحم ـ فيما يبدو ـ كان قد ولى، الأمر الذي صرفه وصرف جماعته إلى الشعر الغنائي، والمناداة بأخذ لغة فرنسية جديدة مستقلة عن اللاتينية، ولا شك أن هذا بعيد كل البعد عن روح الكلاسيكية ومبادئها، لما سبق أن ذكرنا أنها تنحصر غالباً في الأدب التمثيلي.
وفي سنة 1634م أنشأ الكاردينال "دي ريشيليو" وزير الملك لويس الثالث عشر المجمع اللغوي الفرنسي، وقام هذا المجمع بوضع قاموس لغوي ترسم فيه خطوات الشاعر "ماليرب".
هذا عن الجهود اللغوية. أما الجهود الفلسفية، فتتمثل في جهد فيلسوفين عظيمين، رسما للأدب بفلسفتهما اتجاهاته الفكرية ، بعده فنّا له في الحياة الإنسانية رسالة سامية ، وآراء هذين الفيلسوفين تعد الوجه الحقيقي للكلاسيكية، وصنعت فلسفتهما وعاءً فكرياً نظرياً مجرداً لتحديد مسار هذا المذهب، والفيلسوفان هما "ديكارت 1596 ـ 1650م"، و"باسكال 1623 ـ 1662م".
ففي سنة 1637م أصدر "ديكارت" كتاباً في الفلسفة بعنوان: "خطاب في المنهج"، وفيه يقرر عدم التسليم بشيء ما لم يوضع تحت مجهر العقل، فيفحصه ويتحقق من وجوده، وذهب أيضاً إلى أن العقل هو الموصل الوحيد إلى الخير والمعرفة، وما يرفضه العقل يجب علينا أن نرفضه، وهو في هذا يذهب مذهب المعتزلة، الذين يحكمون عقولهم فيما يعرض لهم، وهو صاحب المبدأ المشهور "أنا أفكر، فأنا إذا موجود"، ومبدأ "الشك أساس اليقين". وإنصافاً للحقيقة التاريخية لابد من أن أشير إلى أن مبدأ "الشك أساس اليقين"، كان أحد المبادئ التي بنى عليها المعتزلة مذهبهم، وعنه صدرت ما أثر عنهم من مناظرات ومجادلات ـ كما هو معروف ـ في "علم الكلام"، وقد طبق الجاحظ هذا المبدأ تطبيقاً عمليا في كتابه المشهور "الحيوان"، وبه أخذ الدكتور طه حسين في دراسته للشعر الجاهلي.
فالعقل عند ديكارت يكبح أهواء النفوس، والنزعات الضارة، والإرادة تدفع إلى العمل الخير النافع. ولقد تأثر كثير من الأدباء في إنتاجهم الأدبي بفلسفة ديكارت، ويرى النقاد أن ذلك ماثل بصفة خاصة في مآسي كورني.
وكما اعتمد ديكارت على العقل، فإن باسكال اعتمد عليه أيضاً، فالعقل عنده نقطة البداية، كما أنه نقطة النهاية، ويبدو ذلك واضحاً في كتابيه "الريفيات" ، و"الأفكار"، وقد امتاز بأسلوب منطقي ساحر جذاب ـ وبخاصة في كتابه الريفيات ـ وهذا ماجعل فولتير "1694 ـ 1778م"، يثني على هذا الكتاب، ويصفه بأنه نموذج حي من سطوة المنطق، وحرارة العاطفة، وكان موضوعياً في كتاباته، يسعى إلى تمثيل الحق والخير والجمال، وهذا المذهب هو الذي قامت عليه الكلاسيكية، وباسكال في أدبه ينحو منحى أرسطو اليوناني، وهوراس الروماني، في حين أن الأدب يجب أن تتوافر فيه الفائدة واللذة الفنية.
الأربعاء مارس 02, 2011 2:41 pm من طرف الكومبل
» علاقم المسيح الدجال ومثلث رمودا بل ايات القرانية واللة اعلم
الأربعاء مارس 02, 2011 2:35 pm من طرف الكومبل
» أصل اللغة العربية وتطورها
السبت يونيو 13, 2009 12:09 pm من طرف Admin
» سعيد بن عامر الجمحي
الأربعاء يناير 28, 2009 7:03 pm من طرف weboo
» روائع الأخلاق
الأربعاء يناير 28, 2009 6:17 pm من طرف weboo
» (( خبيب بن عدي))
الأربعاء يناير 28, 2009 5:37 pm من طرف weboo
» المنقب القرآنى
الأربعاء يناير 28, 2009 2:08 pm من طرف weboo
» القران كامل بصوت 15 قارئ
الأربعاء يناير 28, 2009 1:34 pm من طرف weboo
» تفسير القرآن الكريم كاملاً في 2 ميجا
الأربعاء يناير 28, 2009 1:30 pm من طرف weboo