[size=18]الشعر القصصي في ديوان ايليا ابي ماضي شاعر المَهاجَر الاكبر
تتناول هذه الدراسة ادب المهاجَر و القصة الشعرية في هذا الادب عامةً و القصة الشعريةعند اَبي ماضي خاصةً. يُعْتَبُر ادب المهاجر مِن اَغنی الآداب قيمةً، و يُعتبر ايليا أبي ماضي مِن أحد اكبر شعراء القصه المهاجرين ومن اَشهر الشعراء المعاصرين. اِنَّ دراسة وتحليل القصة الشعرية ـ التي هي مِن اَروع فنون الادب ـ لها اَهمية كبيرة. حيثما ندرس القصة الشعرية حقيقةً نري شيئين متلازمين: الشعر و القصة و هماكانامِن اَغنی فنون الادب في تاريخ البشر كله مِن البداية حتي الان. دراسة القصة في شعر اَبي ماضي دراسةً شاملةَ في الواقع ستنكشف آفاقاً جديدةً في الادب و ستزود محبي الادب عامةَ و اِلي دارسي الشعر و القصة خاصةً بمعلومات مفيدة.
إن السبب في اختيار هذا الموضوع للدراسة هو شخصية هذا الشاعر المعاصر الكبير و كثرة الشعر القصصي في ديوانه الذي يصل اِلي حوالي اَربعين قصيدة اَواكثر.كما أن الدراسات لم تتناول شعره القصصي بالدراسة مثلما تنازلت قضاياأخرﻯ كالتفاؤل والتساؤل. إنَّ الهدف في هذه الدراسة هو: 1. تحديد مفهوم الشعر القصصي، 2. نظرةٌ عامةٌ اِلي اَدب المهاجَر و شعراء القصة في المهاجَر، 3. خلفية القصة الشعرية في الادب العربي 4. وعرض تصويراً واضحاً مِن الشعر القصصي في ديوان اَبي ماضي و شرح وتحليل بعض مِن اشعاره القصصي، إذ لايمكن تحليل كُلِّ أشعاره في مقالة واحدة.
ماهو الشعرالقصصي؟
الشعرالقصصي، هوالذي يعتمد في مادته علي ذكر وقائع و تصوير حوادث في ثوب قصة تساق مقدماتها، و تحكي مناظرها و ينطق أشخاصها. فالشاعرالقصصي قد يطوف بحياته حادث مِن الحوادث تنفعل به نفسه و تتجاوب له مشاعره و يهتزإحساسه، فيعمد اِلي تصوير هذا الحادث كما تمثل لديه في قصة ينسج خيوطها و يرسم ألوانها و يطرز حواشيها.(1) كل مافي الامرأنّ القصيدة القصصية صارت تكتب الان علي أنها نوع ادبي متميز، تحكي بأجمعها قصة، هي بطبيعة الحال، قصة خيالية اكثر منها واقعية و لا يعد هذا عيبا فطيبعي أن يعتمد الشاعر علي عنصر الخيال و قد يبني مِن تجربة خيالية عملاً فنياً كاملاً. فماذا نقرأ نحن في القصيده القصصية أنقرأ شعراً اَم قصة؟ و دون أن نستغرق في التفكير نرى أنّ التسمية نفسها تحمل الجواب عن هذا السؤال، فبحكم أنها قصيدة، لابد أن تَكون شعراً و بحكم أنها قصصية لابد أن تنقل إلينا قصة. فهي شعر و قصة في آن واحد، و بمقدار متساوٍ. اِنّما تستفيد القصة مِن الشعر التعبير الموحي المؤثر و يستفيد الشعر مِن القصة التفعيلات المُثيرة الحية. فهي بنية متفاعلة، يستفيد كل شقِ فيها مِن الشق الآخر و ينع** عليه في الوقت نفسه.(2)
الشعرالقصصي فيالادب العربي:
قاريء الشعر العربي يقع علي كثير مِن الحكايات التي تؤكد النزعة القصصية عند بعض شعرائنا القدامی كامريء القيس الذي تبدو هذه الظاهرة في شعره (عند وصفه للصيد) حديث يبدو الموضوع ذا مقدمة وعقده وحل، و غالباً ماتكون المقدمة وصفاً للفرس اَوالناقة و تنسب العقدة عندما يعن لسرب مِن البقرالوحشي فيطارده و يكر ويفرّ حوله حتي يعود و قد اوقع طريده او عدّة طرائد(3). والفرزدق عرض لحادثة وقعت بينه و بين الذئب في قصيدة تكاد تخرج عن طبيعة الوصف النقلي التقليدي للذئب لانه التفت فيها اِلي الجانب القصصي، و أفاض عليها شيئاً مِنالرقة الوجدانية، اِذقال:
وليلةٍ بتنا با لفريين ضافنا علي الزاد ممشوق الذراعين أطلسُ تَلَمّسنا حتي أتانا ولم يزلْ لَـــدُنْ فطمتـْــه امـــــّه يتـــلمّـــسُ(4) ويرى الدكتور احمد امين أنّ عمربن ابي ربيعه هو مبتكر فن القصص الشعري ،و كان حرياً بتجربته أن تسهم في تطوير القصيدة العربية و تخرجها عن ما رأى لتقليد القصيدة الجاهلية(5).
اِنّ ما تقدم عن الظاهرة القصصية في شعري امرؤ القبس و الفرزدق ماهواِلاّ حكاية لحال، كان يمكن لها أن تكون خطوة علي طريق الفن القصصي الشعري بما تنبي عنه مِن جيشان العواطف و صدق الانفعالات اِلاَ اَنّ العناية بها لم تتجاوز هذا البوح الوجداني. لم تعرف العربية اذن الشعر القصصي بمعناه الغربي و انّما عرضَتْ ضروباً مِن نظم التاريخ تشبه اَن تكون متوناً للحفظ و التسميع و مازال هذا شأننا حتي اتصلنا بأورباو آدابها في القرن التاسع عشر و لم يلبث سليمان البستاني أن نقل إلياذه هوميروس اِلي لغتنا شعراً و بذلك رأی شعراءنا تحت أعينهم هذااللون من الشعرالقصصي ورأوا مايجري فيه مِن حروب و حوادث مثيرة تدورحول أبطال اليونان و طروادة. إذن القصص الشعري بمفهومه الغربي لم يظهر اِلاّ في العصر الحديث(6).
ادب المَهاجَر(7): هو أدب المهاجرين العرب الذين تركوا بلادهم فترة الحكم العثماني للعالم العربي و استقروا في الأميريكيتين الشمالية و الجنوبية و أنتجوا أدباً و ابدعو شعراً و أصدروا صحفاً وكونوا جاليات و جمعيات و روابط ثقافية، و كان إبداعهم الادبي له صفة التمايز عن أدب الشرق بما يجمع مِن ملامح شرقية و ملامح غربیة(.
وباستقرارهم في الأميركييتين الشمالية والجنوبية أنشاؤارابطتين ادبيتين،إحداهما في المهجرالشمالي و الثانية في المهجر الجنوبي، و هما الرابطة القلمية و العصبة الأندلسية. أهم أعضاء الرابطة هم: جبران خليل جبران، ميخائل نعيمة، نسيب عريضة، رشيدايوب، ايليا اَبوماضي و ... اما اعضاء العصبة فأهمهم رشيد الخوري، الياس فرحات، شكرالله الجر، جبران سعاده، امين الريحاني، سعيد اليازجي ...(9). القصة في شعرالشعراء المُهاجَريين:
كانت القصة في شعرالشعراء المهاجريين مِن أهم فنون شعرهم، فهي التي تتناول كل احداث الحياة، و تصور كل مادقّ و جلّ مِن امور الوجود. و لعلّ الشعرالقصصي هو مما أخذه المهاجريون عن أخوانهم مِن شعراء لبنان و الأقطار العربية الثانية، كما يعترف بذلك البعض منهم. حيث تري فريقاً ينسب الفضل في ذلك اِلي شاعر الارزشبلي ملاط و آخر يعود به الي خليل مطران. القصة الشعرية التي نظم فيها مِن شعراء المشرق: مطران (1872- 1949)، و الرصافي (1875- 1945)، و حافظ ابراهيم (1871- 1932)، والياس ابوشبكه (1903- 1947) و بشارة الخوري (1889- 1968)، نظمها شعراءالمهجرو صوروا فيها حيرتهم و تساؤلهم و ألمهم و أملهم و بكاء هم و فرحهم. نظمها إلياس فرحات (1893- 1977)، و رشيد ايوب (1871-1941)، و ابوشادي (1892- 1955). والشاعر القروي (1887- 1984)، و فوزي المعلوف (1899- 1930)، وايليا ابوماضي. اِذن القصة الشعرية كثيرةٌ في دواوين الشعراء المهاجريين، منها: لإلياس فرحات قصة شعرية بعنوان «احلام الراعي» و قصة «الاحتجاج علي مذهب داروين» و كذلك قصة الراهبة. و لفوزي المعلوف قصتُةُ المشهورة: آدم و حواء. و لنسيب عريضة مسرحية شعرية عنوانها: «احتضار أبي فراس»(10). و اَشهر مَنْ برع في القصة الشعرية، هو إيليا ابو ماضي، و كثيراً مايعتمد اَبو ماضي علي أسلوب القصص في شعره ،اَو القصص الأسطورية و يستخرج منها دروساً إنسانية ذات قيمة، يعتمد فيها علي عنصري المفاجأة و التشويق. و مهما يكن من أمر يظلّ أبو ماضي مِن الرواد الذين فتحوا صدر الشعر لغير الغنائية الذاتية فزرعوا فيه مواسم جديدة لموضوعات شعرية جديدة تتناول الإنسان، في شتي صوره و تتناوله فكرةً وجوهراً، نفساً و عقلاً. و مثل هذا الغنی في الطاقة الشعرية، مجموعاً الي القدرة علي التمثل الجماعي لنفسية الاُمَّة، هوالذي يجعل مِن أبي ماضي شاعراً كبيراً(11).
ترجمةُ حياة ايليا أبي ماضي:
يُعْتَبر ايليا ابو ماضي أحداكبرشعراءالمهاجرومِن اكبرالشعراء العرب المعاصرين(12). وُلِدَ في قرية «المحيدثة» القريبة مِن بكفيا في لبنان، سنة 1889(13). حيث تلقی علومه الا بتدائية ، ثم رحل اِلي مصر و نزل الاسكندرية حوالي (1900)، حيث مكث فيها اِحدى عشَرْسنة. أصدر ديوانه الاول «تذكار الماضي» قبل أن يهاجراِلي أميركا الشمالية، عام 1911. ففي مصر بدأت موهبته الشعرية تتفتح و كان للأديب اللبناني أنطون الجميل، الفضل في اكتشافها و نشر بعض قصائدة في مجلة «الزهور» المصرية (1910-1913). عمل ابوماضي في حقل التجارة و الصحافة، قبل أن يهاجر اِلي مدينة «سنسناتي» في أميركا حيث أمضي خمس سنوات فيها، ثمّ اتجّه نحو نيويورك سنة 1916. ليواصل عمله في نظم الشعر و الاتصال بالأدباء و الكتاب في بعض الصحف التي كانت تصدر هناك. ثم أصْدَر ديوانه الثاني «ديوان ايليا ابو ماضي» سنة 1918، مما حقق له شهرة واسعة في عالم الاغتراب و كذلك في المشرق العربي. ثم صدر ديوانه الثالث «الجداول» سنة 1927 و في سنة 1929 أصدر مجلة السمير، و في سنة 1946 صدر ديوانه «الخمائل» و ظلّ مقيماً بنيويورك اِلي أن توُفّي سنة 1957(14).
القصة الشعرية عند ايليا أبي ماضي:
في قراءَ تنا للقصص الشعرية التي تحفل بها دواوين اَبي ماضي، نجدها قصصاً تفيض ألواناً شتي مِن واقع الحياة و خيالها و رمزها و تشعبات مذاهبها في الرومانسية و الرمزية و الأسطورية. و قدخاف أنْ يؤخذ عليه حصر قصصه بأبناء وطنه، فعمد اِلی ابراز واقع الشرق ممزوجاً بجوانب الغرب و معطياته الرمزية و الرومانسية، التي تستمد عناصرها مِن خياله تارة، اَومِن الاساطير القديمة طوراً و حرص أيضاً أن يجعل تلك العناصر تتلوّن بألوان الوحدة المعبّرة عن الوحشيّة، الألم الموحي بالعصر، كما أنّه اهتمَّ اهتماماً بالغاً بالحوار القصصي المعبر عن الضياع المحيط بالمجتمع الغربي و الشرقي في آنٍ واحد. و هو في كل ماذكرنا كان ملماً اِلماماً ناجحاً بفن القصة الشعرية و أصول نظمها المعبّر(15). إذن قد تنوعت هذه العناصر القصصية عند اَبي ماضي، فهي تاره: عناصر قصصية واقعية،و تارةً اُخري حكايات خيالية، و تارة ثالثة حكايات رمزية(16).
مِن قصصه الواقعية:
«حكاية حال»: و هي قصة رجل مسن أخلص لزوجته، ولكنها غدرت به لِكبرسنه. «أنت و الكاس»: و خلاصتها أن الحب لايدوم، و آفته أنّه كالنار في الهشيم... «قتل نفسه»: و هي قصة شاب أضاع غناه، فتخلی عنه صحبه، فانتحر بعد افتقاره «العاشق المخدوع»: و هي تحكي حب فتی لفتاة، تزوجت مِن غيره، فلّما مات الزوج تزوجها الحبيب الاول، فشيبتهُ باسرافها، و نزواتها، فخرج منها بتجربة خلاصتها (لاتمدح حتي تجرب). «أناهو»: و هي قصة فتاة تعطلت سيارتها في الصحراء، و باتت في رعب مِن قاطع طريق معروف في المنطقة، و في النهاية اتضح لها أنه اخوها الذي افتقدته... و هكذا مع العسر يسر، و مَنْ يصبر ينل خيراً.
«الشاعر والامة»: و مغزاها أن الشعوب النائمة يستبد بها الظالمون. «طبيبي الخاص»: و هي قصة فتی ادعي المرض، و ادّعَتْ حبيبتة أنها الطبيب فجاءَت لزيارته. «بائعة الورد»: و هي تحكي حال فتاة غدربها حبيبها بعد أن خدعها فقتلتْه، و انتحرت. «ضيف ثقيل» و فيها نقمه علي رجال الدين. «ذكری و عبرة»: وخلاصتها أنّه أسكر حبيبته حتي اعترفَتْ بحب غيره فأعرض عنها و هجرها... «حكاية حا ل» و له قصيدة اُخري بهذا العنوان، و لكن هذه القصيدة تحكي قصة شاب كان ثرياً، ثم عضه الدهر بنابه فقررالانتحار، و لكن امرأة محسنة انقذته مِن كبوته.
«وردة و إميل» و هي قصة شبيهة بقصة روميو و جوليت، فقد مات الحبيبان شهيدی الحب . «حكاية حال» و هذه قصة اُخری بهذا العنوان، و فحواها ينطبق عليه قول الشاعر:
اذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة اهل البيت كلهم الرقص
«الشاعر و الملك الجائر» و خلاصتها أن افكار الشاعر و نصائحه و حكمه باقيه خالدة ، و أنه أبقي علی التاريخ مِن أي سلطان ظالم(17). و منِ حكاياته الرمزية: دودة و بلبل، رؤيا، الضفادع و النجوم، الغدير الطموح، الصغيرالصغير،السجينة،الغراب والبلبل،التينة الحمقاء، الابريق، ابن الليل، العير المتنكر، العليقة، الكنارالصامت و...
و من حكاياته الخيالية: الاسطورة الأزليه... أمنية إلهة ... و الشاعرفی السماء(18) و... و سنكتفي فيما يلي بدراسة نماذج لهذه العناصرالقصصية من حيث المضمون و الأسلوب .
شرح و تحليل نماذج من قصصه الواقعية:
الف: الشاعر و الملك الجائر(19):
مضمونها: تنديد جورالحكام
ملحض القصة أن ملكاً ظالماً معتداً بنفسه يري حدود العالم و ما فيه مِن شؤون و شجون ينتهي في حدود سلطانه الذي تمثّل في مملكة واسعة حوت القصور الفخمة و الجنائن المعلقة و العزّ البراق و مظاهر العظمة و الفخامة التي شُيّدت بدماء المساكين و علی حساب حياتهم و بالمقابل جعل ابوماضي مِن شاعر موهوب، حرّ و طليق يتغني بسّر الكون و يتحلي بفكر جّم و بنفس عالية المثال... جعله نقيضاً للملك، فالشاعر مثال للحكمة الأزلية الشاهدة علي بقاء القيم، و الملك نموذج للمغترّين الذين نظروا لآنهم و كأنه ديمومة، و صدروا عن أحكامهم و كأنهم خُلقوا وحيدين في هذا العالم.
تبدأ لحظة الصراع بالاحتكاك بين هاتين الشخصيتين النقيضتين... اِذ يستدعي الملكُ الشاعر و يطلب منه أن يصف جاهه و سطوته و ملكه...
قال: صِفْ جاهي، ففي و صفك لي للشعرجاهُ اِنّ لـي القصر الذي لاتبلُغ الطيُرذُراهُ
ولــــي الروض الـــذي يعبَقُ بالمســـك ثراه ولــي الجيش الذي ترشحُ بالموتِ ظِباهُ
فماكان مِن الشاعر اِلاّ أن سخر مِن الملك و مِن طلبه ... و أجاب بأبياتِ لاذعة تنم عن هزء و استخفاف، تصور مجد الملك الباطل و قوته المصطنعة الزائلة و عرشه المزعوم المشاد مِن جماجم البشر و قال اَبو ماضي متابعاً وصف الموقف(20):
ضـــحك الشــاعرُ ما سمعتهُ اُذناهُ و تمنـــي أن يُــــداجي فعــصتهُ شفتاهُ
قال: اِنيّ لاأري الأمرَ كما أنت تراه اِنّ ملكي قدطوي ملكك عني و مَحاهُ
فا لشاعر ضحك مِن كلام السلطان و لم يطاوعة قلبه و لسانه علي أن يحابي اَويتملق، فإنّ لَهُ منِ نفسه ملكاً يتضاءل أمامه اَي سلطان آخر. و لذلك أجابَ السلطانَ بقوله:
القصر ينْبيء عن مهارة شاعر لبق، و يخبر بُعْدَه عنكـــــــــا
هو لـــلالي يَدرون كُنه جماله فـــــإذا مضوا فكأنه دُكــــــــا
ستزول أنت ولايزول جلاله كالفُلكِ تبقی، إنْ خَلَتْ، فُلكا
ثمّ تحدث عن الروض و الجيش، والبحر، و الجبل التي يدعي السلطان أنّه يملكها، و ختم حديثه بقوله:
و مررتُ بالجبلِ الأشْمَّ فما زوى عني محاسنََه ولستُ أميراً
و عند ذاك احتدم غيظ السلطان عليه فأمرالجلادَ أن يدحرج رأس الشاعر عن كتفيه، فلما. سقط رأسه يتدحرج علي الأرض، غضب السلطان و قال: "ذوجنة، أمسي بلاجنتهْ"(21). فانظر اِلي هذه الصورة التي يحشد فيها ابو ماضي جملة مِن الشروط الفنية للعمل القصصي:
فاحتدمَ السلطانُ ايَّ احتــــدام ولاحَ حـــُبُّ البطش في مقلتيهْ
وصاح بالجلاد: هاتِ الحسام فـــأسرعَ الــجلّادُ يسعــــي إليهْ
فقال: دحـــرجْ رأسَ هذا الغلام فــــرأسُهُ عبءٌ علـــــي منكبيه
سمعاً و طوعاً، سيّدي: وانتضی عَضَباً يموج الموتُ في شفرتيهْ
نشیر في هذا المقطع الي جملة مِن الامور:
اولها: الموقف الانفعالي للملك... و هو تتبع لحركة نفسه الداخليه التي استثارها الشاعر بحديثه المطول حتي نال مِن الملك و بلغ عمقه النفسي البشْع، ولعلّه يعرفه مسبقاً و يعرف اَي مورد يورد نفسه... و هو موقف فيه مِن التزواج و الانسجام بين ظاهر الملك و باطنه. أماثانيها: فهوا الحوار السريع الذي رافق المشهد: احتدام الملك و توجيهه الاوامر للجلاد و اسراع هذا الآخير للتلبية... ثالثها: ميّزات الشخصيات التي تتحرك أمامنا: فالملك مغتّر بنفسه و الجلاد عبدٌ
تتناول هذه الدراسة ادب المهاجَر و القصة الشعرية في هذا الادب عامةً و القصة الشعريةعند اَبي ماضي خاصةً. يُعْتَبُر ادب المهاجر مِن اَغنی الآداب قيمةً، و يُعتبر ايليا أبي ماضي مِن أحد اكبر شعراء القصه المهاجرين ومن اَشهر الشعراء المعاصرين. اِنَّ دراسة وتحليل القصة الشعرية ـ التي هي مِن اَروع فنون الادب ـ لها اَهمية كبيرة. حيثما ندرس القصة الشعرية حقيقةً نري شيئين متلازمين: الشعر و القصة و هماكانامِن اَغنی فنون الادب في تاريخ البشر كله مِن البداية حتي الان. دراسة القصة في شعر اَبي ماضي دراسةً شاملةَ في الواقع ستنكشف آفاقاً جديدةً في الادب و ستزود محبي الادب عامةَ و اِلي دارسي الشعر و القصة خاصةً بمعلومات مفيدة.
إن السبب في اختيار هذا الموضوع للدراسة هو شخصية هذا الشاعر المعاصر الكبير و كثرة الشعر القصصي في ديوانه الذي يصل اِلي حوالي اَربعين قصيدة اَواكثر.كما أن الدراسات لم تتناول شعره القصصي بالدراسة مثلما تنازلت قضاياأخرﻯ كالتفاؤل والتساؤل. إنَّ الهدف في هذه الدراسة هو: 1. تحديد مفهوم الشعر القصصي، 2. نظرةٌ عامةٌ اِلي اَدب المهاجَر و شعراء القصة في المهاجَر، 3. خلفية القصة الشعرية في الادب العربي 4. وعرض تصويراً واضحاً مِن الشعر القصصي في ديوان اَبي ماضي و شرح وتحليل بعض مِن اشعاره القصصي، إذ لايمكن تحليل كُلِّ أشعاره في مقالة واحدة.
ماهو الشعرالقصصي؟
الشعرالقصصي، هوالذي يعتمد في مادته علي ذكر وقائع و تصوير حوادث في ثوب قصة تساق مقدماتها، و تحكي مناظرها و ينطق أشخاصها. فالشاعرالقصصي قد يطوف بحياته حادث مِن الحوادث تنفعل به نفسه و تتجاوب له مشاعره و يهتزإحساسه، فيعمد اِلي تصوير هذا الحادث كما تمثل لديه في قصة ينسج خيوطها و يرسم ألوانها و يطرز حواشيها.(1) كل مافي الامرأنّ القصيدة القصصية صارت تكتب الان علي أنها نوع ادبي متميز، تحكي بأجمعها قصة، هي بطبيعة الحال، قصة خيالية اكثر منها واقعية و لا يعد هذا عيبا فطيبعي أن يعتمد الشاعر علي عنصر الخيال و قد يبني مِن تجربة خيالية عملاً فنياً كاملاً. فماذا نقرأ نحن في القصيده القصصية أنقرأ شعراً اَم قصة؟ و دون أن نستغرق في التفكير نرى أنّ التسمية نفسها تحمل الجواب عن هذا السؤال، فبحكم أنها قصيدة، لابد أن تَكون شعراً و بحكم أنها قصصية لابد أن تنقل إلينا قصة. فهي شعر و قصة في آن واحد، و بمقدار متساوٍ. اِنّما تستفيد القصة مِن الشعر التعبير الموحي المؤثر و يستفيد الشعر مِن القصة التفعيلات المُثيرة الحية. فهي بنية متفاعلة، يستفيد كل شقِ فيها مِن الشق الآخر و ينع** عليه في الوقت نفسه.(2)
الشعرالقصصي فيالادب العربي:
قاريء الشعر العربي يقع علي كثير مِن الحكايات التي تؤكد النزعة القصصية عند بعض شعرائنا القدامی كامريء القيس الذي تبدو هذه الظاهرة في شعره (عند وصفه للصيد) حديث يبدو الموضوع ذا مقدمة وعقده وحل، و غالباً ماتكون المقدمة وصفاً للفرس اَوالناقة و تنسب العقدة عندما يعن لسرب مِن البقرالوحشي فيطارده و يكر ويفرّ حوله حتي يعود و قد اوقع طريده او عدّة طرائد(3). والفرزدق عرض لحادثة وقعت بينه و بين الذئب في قصيدة تكاد تخرج عن طبيعة الوصف النقلي التقليدي للذئب لانه التفت فيها اِلي الجانب القصصي، و أفاض عليها شيئاً مِنالرقة الوجدانية، اِذقال:
وليلةٍ بتنا با لفريين ضافنا علي الزاد ممشوق الذراعين أطلسُ تَلَمّسنا حتي أتانا ولم يزلْ لَـــدُنْ فطمتـْــه امـــــّه يتـــلمّـــسُ(4) ويرى الدكتور احمد امين أنّ عمربن ابي ربيعه هو مبتكر فن القصص الشعري ،و كان حرياً بتجربته أن تسهم في تطوير القصيدة العربية و تخرجها عن ما رأى لتقليد القصيدة الجاهلية(5).
اِنّ ما تقدم عن الظاهرة القصصية في شعري امرؤ القبس و الفرزدق ماهواِلاّ حكاية لحال، كان يمكن لها أن تكون خطوة علي طريق الفن القصصي الشعري بما تنبي عنه مِن جيشان العواطف و صدق الانفعالات اِلاَ اَنّ العناية بها لم تتجاوز هذا البوح الوجداني. لم تعرف العربية اذن الشعر القصصي بمعناه الغربي و انّما عرضَتْ ضروباً مِن نظم التاريخ تشبه اَن تكون متوناً للحفظ و التسميع و مازال هذا شأننا حتي اتصلنا بأورباو آدابها في القرن التاسع عشر و لم يلبث سليمان البستاني أن نقل إلياذه هوميروس اِلي لغتنا شعراً و بذلك رأی شعراءنا تحت أعينهم هذااللون من الشعرالقصصي ورأوا مايجري فيه مِن حروب و حوادث مثيرة تدورحول أبطال اليونان و طروادة. إذن القصص الشعري بمفهومه الغربي لم يظهر اِلاّ في العصر الحديث(6).
ادب المَهاجَر(7): هو أدب المهاجرين العرب الذين تركوا بلادهم فترة الحكم العثماني للعالم العربي و استقروا في الأميريكيتين الشمالية و الجنوبية و أنتجوا أدباً و ابدعو شعراً و أصدروا صحفاً وكونوا جاليات و جمعيات و روابط ثقافية، و كان إبداعهم الادبي له صفة التمايز عن أدب الشرق بما يجمع مِن ملامح شرقية و ملامح غربیة(.
وباستقرارهم في الأميركييتين الشمالية والجنوبية أنشاؤارابطتين ادبيتين،إحداهما في المهجرالشمالي و الثانية في المهجر الجنوبي، و هما الرابطة القلمية و العصبة الأندلسية. أهم أعضاء الرابطة هم: جبران خليل جبران، ميخائل نعيمة، نسيب عريضة، رشيدايوب، ايليا اَبوماضي و ... اما اعضاء العصبة فأهمهم رشيد الخوري، الياس فرحات، شكرالله الجر، جبران سعاده، امين الريحاني، سعيد اليازجي ...(9). القصة في شعرالشعراء المُهاجَريين:
كانت القصة في شعرالشعراء المهاجريين مِن أهم فنون شعرهم، فهي التي تتناول كل احداث الحياة، و تصور كل مادقّ و جلّ مِن امور الوجود. و لعلّ الشعرالقصصي هو مما أخذه المهاجريون عن أخوانهم مِن شعراء لبنان و الأقطار العربية الثانية، كما يعترف بذلك البعض منهم. حيث تري فريقاً ينسب الفضل في ذلك اِلي شاعر الارزشبلي ملاط و آخر يعود به الي خليل مطران. القصة الشعرية التي نظم فيها مِن شعراء المشرق: مطران (1872- 1949)، و الرصافي (1875- 1945)، و حافظ ابراهيم (1871- 1932)، والياس ابوشبكه (1903- 1947) و بشارة الخوري (1889- 1968)، نظمها شعراءالمهجرو صوروا فيها حيرتهم و تساؤلهم و ألمهم و أملهم و بكاء هم و فرحهم. نظمها إلياس فرحات (1893- 1977)، و رشيد ايوب (1871-1941)، و ابوشادي (1892- 1955). والشاعر القروي (1887- 1984)، و فوزي المعلوف (1899- 1930)، وايليا ابوماضي. اِذن القصة الشعرية كثيرةٌ في دواوين الشعراء المهاجريين، منها: لإلياس فرحات قصة شعرية بعنوان «احلام الراعي» و قصة «الاحتجاج علي مذهب داروين» و كذلك قصة الراهبة. و لفوزي المعلوف قصتُةُ المشهورة: آدم و حواء. و لنسيب عريضة مسرحية شعرية عنوانها: «احتضار أبي فراس»(10). و اَشهر مَنْ برع في القصة الشعرية، هو إيليا ابو ماضي، و كثيراً مايعتمد اَبو ماضي علي أسلوب القصص في شعره ،اَو القصص الأسطورية و يستخرج منها دروساً إنسانية ذات قيمة، يعتمد فيها علي عنصري المفاجأة و التشويق. و مهما يكن من أمر يظلّ أبو ماضي مِن الرواد الذين فتحوا صدر الشعر لغير الغنائية الذاتية فزرعوا فيه مواسم جديدة لموضوعات شعرية جديدة تتناول الإنسان، في شتي صوره و تتناوله فكرةً وجوهراً، نفساً و عقلاً. و مثل هذا الغنی في الطاقة الشعرية، مجموعاً الي القدرة علي التمثل الجماعي لنفسية الاُمَّة، هوالذي يجعل مِن أبي ماضي شاعراً كبيراً(11).
ترجمةُ حياة ايليا أبي ماضي:
يُعْتَبر ايليا ابو ماضي أحداكبرشعراءالمهاجرومِن اكبرالشعراء العرب المعاصرين(12). وُلِدَ في قرية «المحيدثة» القريبة مِن بكفيا في لبنان، سنة 1889(13). حيث تلقی علومه الا بتدائية ، ثم رحل اِلي مصر و نزل الاسكندرية حوالي (1900)، حيث مكث فيها اِحدى عشَرْسنة. أصدر ديوانه الاول «تذكار الماضي» قبل أن يهاجراِلي أميركا الشمالية، عام 1911. ففي مصر بدأت موهبته الشعرية تتفتح و كان للأديب اللبناني أنطون الجميل، الفضل في اكتشافها و نشر بعض قصائدة في مجلة «الزهور» المصرية (1910-1913). عمل ابوماضي في حقل التجارة و الصحافة، قبل أن يهاجر اِلي مدينة «سنسناتي» في أميركا حيث أمضي خمس سنوات فيها، ثمّ اتجّه نحو نيويورك سنة 1916. ليواصل عمله في نظم الشعر و الاتصال بالأدباء و الكتاب في بعض الصحف التي كانت تصدر هناك. ثم أصْدَر ديوانه الثاني «ديوان ايليا ابو ماضي» سنة 1918، مما حقق له شهرة واسعة في عالم الاغتراب و كذلك في المشرق العربي. ثم صدر ديوانه الثالث «الجداول» سنة 1927 و في سنة 1929 أصدر مجلة السمير، و في سنة 1946 صدر ديوانه «الخمائل» و ظلّ مقيماً بنيويورك اِلي أن توُفّي سنة 1957(14).
القصة الشعرية عند ايليا أبي ماضي:
في قراءَ تنا للقصص الشعرية التي تحفل بها دواوين اَبي ماضي، نجدها قصصاً تفيض ألواناً شتي مِن واقع الحياة و خيالها و رمزها و تشعبات مذاهبها في الرومانسية و الرمزية و الأسطورية. و قدخاف أنْ يؤخذ عليه حصر قصصه بأبناء وطنه، فعمد اِلی ابراز واقع الشرق ممزوجاً بجوانب الغرب و معطياته الرمزية و الرومانسية، التي تستمد عناصرها مِن خياله تارة، اَومِن الاساطير القديمة طوراً و حرص أيضاً أن يجعل تلك العناصر تتلوّن بألوان الوحدة المعبّرة عن الوحشيّة، الألم الموحي بالعصر، كما أنّه اهتمَّ اهتماماً بالغاً بالحوار القصصي المعبر عن الضياع المحيط بالمجتمع الغربي و الشرقي في آنٍ واحد. و هو في كل ماذكرنا كان ملماً اِلماماً ناجحاً بفن القصة الشعرية و أصول نظمها المعبّر(15). إذن قد تنوعت هذه العناصر القصصية عند اَبي ماضي، فهي تاره: عناصر قصصية واقعية،و تارةً اُخري حكايات خيالية، و تارة ثالثة حكايات رمزية(16).
مِن قصصه الواقعية:
«حكاية حال»: و هي قصة رجل مسن أخلص لزوجته، ولكنها غدرت به لِكبرسنه. «أنت و الكاس»: و خلاصتها أن الحب لايدوم، و آفته أنّه كالنار في الهشيم... «قتل نفسه»: و هي قصة شاب أضاع غناه، فتخلی عنه صحبه، فانتحر بعد افتقاره «العاشق المخدوع»: و هي تحكي حب فتی لفتاة، تزوجت مِن غيره، فلّما مات الزوج تزوجها الحبيب الاول، فشيبتهُ باسرافها، و نزواتها، فخرج منها بتجربة خلاصتها (لاتمدح حتي تجرب). «أناهو»: و هي قصة فتاة تعطلت سيارتها في الصحراء، و باتت في رعب مِن قاطع طريق معروف في المنطقة، و في النهاية اتضح لها أنه اخوها الذي افتقدته... و هكذا مع العسر يسر، و مَنْ يصبر ينل خيراً.
«الشاعر والامة»: و مغزاها أن الشعوب النائمة يستبد بها الظالمون. «طبيبي الخاص»: و هي قصة فتی ادعي المرض، و ادّعَتْ حبيبتة أنها الطبيب فجاءَت لزيارته. «بائعة الورد»: و هي تحكي حال فتاة غدربها حبيبها بعد أن خدعها فقتلتْه، و انتحرت. «ضيف ثقيل» و فيها نقمه علي رجال الدين. «ذكری و عبرة»: وخلاصتها أنّه أسكر حبيبته حتي اعترفَتْ بحب غيره فأعرض عنها و هجرها... «حكاية حا ل» و له قصيدة اُخري بهذا العنوان، و لكن هذه القصيدة تحكي قصة شاب كان ثرياً، ثم عضه الدهر بنابه فقررالانتحار، و لكن امرأة محسنة انقذته مِن كبوته.
«وردة و إميل» و هي قصة شبيهة بقصة روميو و جوليت، فقد مات الحبيبان شهيدی الحب . «حكاية حال» و هذه قصة اُخری بهذا العنوان، و فحواها ينطبق عليه قول الشاعر:
اذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة اهل البيت كلهم الرقص
«الشاعر و الملك الجائر» و خلاصتها أن افكار الشاعر و نصائحه و حكمه باقيه خالدة ، و أنه أبقي علی التاريخ مِن أي سلطان ظالم(17). و منِ حكاياته الرمزية: دودة و بلبل، رؤيا، الضفادع و النجوم، الغدير الطموح، الصغيرالصغير،السجينة،الغراب والبلبل،التينة الحمقاء، الابريق، ابن الليل، العير المتنكر، العليقة، الكنارالصامت و...
و من حكاياته الخيالية: الاسطورة الأزليه... أمنية إلهة ... و الشاعرفی السماء(18) و... و سنكتفي فيما يلي بدراسة نماذج لهذه العناصرالقصصية من حيث المضمون و الأسلوب .
شرح و تحليل نماذج من قصصه الواقعية:
الف: الشاعر و الملك الجائر(19):
مضمونها: تنديد جورالحكام
ملحض القصة أن ملكاً ظالماً معتداً بنفسه يري حدود العالم و ما فيه مِن شؤون و شجون ينتهي في حدود سلطانه الذي تمثّل في مملكة واسعة حوت القصور الفخمة و الجنائن المعلقة و العزّ البراق و مظاهر العظمة و الفخامة التي شُيّدت بدماء المساكين و علی حساب حياتهم و بالمقابل جعل ابوماضي مِن شاعر موهوب، حرّ و طليق يتغني بسّر الكون و يتحلي بفكر جّم و بنفس عالية المثال... جعله نقيضاً للملك، فالشاعر مثال للحكمة الأزلية الشاهدة علي بقاء القيم، و الملك نموذج للمغترّين الذين نظروا لآنهم و كأنه ديمومة، و صدروا عن أحكامهم و كأنهم خُلقوا وحيدين في هذا العالم.
تبدأ لحظة الصراع بالاحتكاك بين هاتين الشخصيتين النقيضتين... اِذ يستدعي الملكُ الشاعر و يطلب منه أن يصف جاهه و سطوته و ملكه...
قال: صِفْ جاهي، ففي و صفك لي للشعرجاهُ اِنّ لـي القصر الذي لاتبلُغ الطيُرذُراهُ
ولــــي الروض الـــذي يعبَقُ بالمســـك ثراه ولــي الجيش الذي ترشحُ بالموتِ ظِباهُ
فماكان مِن الشاعر اِلاّ أن سخر مِن الملك و مِن طلبه ... و أجاب بأبياتِ لاذعة تنم عن هزء و استخفاف، تصور مجد الملك الباطل و قوته المصطنعة الزائلة و عرشه المزعوم المشاد مِن جماجم البشر و قال اَبو ماضي متابعاً وصف الموقف(20):
ضـــحك الشــاعرُ ما سمعتهُ اُذناهُ و تمنـــي أن يُــــداجي فعــصتهُ شفتاهُ
قال: اِنيّ لاأري الأمرَ كما أنت تراه اِنّ ملكي قدطوي ملكك عني و مَحاهُ
فا لشاعر ضحك مِن كلام السلطان و لم يطاوعة قلبه و لسانه علي أن يحابي اَويتملق، فإنّ لَهُ منِ نفسه ملكاً يتضاءل أمامه اَي سلطان آخر. و لذلك أجابَ السلطانَ بقوله:
القصر ينْبيء عن مهارة شاعر لبق، و يخبر بُعْدَه عنكـــــــــا
هو لـــلالي يَدرون كُنه جماله فـــــإذا مضوا فكأنه دُكــــــــا
ستزول أنت ولايزول جلاله كالفُلكِ تبقی، إنْ خَلَتْ، فُلكا
ثمّ تحدث عن الروض و الجيش، والبحر، و الجبل التي يدعي السلطان أنّه يملكها، و ختم حديثه بقوله:
و مررتُ بالجبلِ الأشْمَّ فما زوى عني محاسنََه ولستُ أميراً
و عند ذاك احتدم غيظ السلطان عليه فأمرالجلادَ أن يدحرج رأس الشاعر عن كتفيه، فلما. سقط رأسه يتدحرج علي الأرض، غضب السلطان و قال: "ذوجنة، أمسي بلاجنتهْ"(21). فانظر اِلي هذه الصورة التي يحشد فيها ابو ماضي جملة مِن الشروط الفنية للعمل القصصي:
فاحتدمَ السلطانُ ايَّ احتــــدام ولاحَ حـــُبُّ البطش في مقلتيهْ
وصاح بالجلاد: هاتِ الحسام فـــأسرعَ الــجلّادُ يسعــــي إليهْ
فقال: دحـــرجْ رأسَ هذا الغلام فــــرأسُهُ عبءٌ علـــــي منكبيه
سمعاً و طوعاً، سيّدي: وانتضی عَضَباً يموج الموتُ في شفرتيهْ
نشیر في هذا المقطع الي جملة مِن الامور:
اولها: الموقف الانفعالي للملك... و هو تتبع لحركة نفسه الداخليه التي استثارها الشاعر بحديثه المطول حتي نال مِن الملك و بلغ عمقه النفسي البشْع، ولعلّه يعرفه مسبقاً و يعرف اَي مورد يورد نفسه... و هو موقف فيه مِن التزواج و الانسجام بين ظاهر الملك و باطنه. أماثانيها: فهوا الحوار السريع الذي رافق المشهد: احتدام الملك و توجيهه الاوامر للجلاد و اسراع هذا الآخير للتلبية... ثالثها: ميّزات الشخصيات التي تتحرك أمامنا: فالملك مغتّر بنفسه و الجلاد عبدٌ
الأربعاء مارس 02, 2011 2:41 pm من طرف الكومبل
» علاقم المسيح الدجال ومثلث رمودا بل ايات القرانية واللة اعلم
الأربعاء مارس 02, 2011 2:35 pm من طرف الكومبل
» أصل اللغة العربية وتطورها
السبت يونيو 13, 2009 12:09 pm من طرف Admin
» سعيد بن عامر الجمحي
الأربعاء يناير 28, 2009 7:03 pm من طرف weboo
» روائع الأخلاق
الأربعاء يناير 28, 2009 6:17 pm من طرف weboo
» (( خبيب بن عدي))
الأربعاء يناير 28, 2009 5:37 pm من طرف weboo
» المنقب القرآنى
الأربعاء يناير 28, 2009 2:08 pm من طرف weboo
» القران كامل بصوت 15 قارئ
الأربعاء يناير 28, 2009 1:34 pm من طرف weboo
» تفسير القرآن الكريم كاملاً في 2 ميجا
الأربعاء يناير 28, 2009 1:30 pm من طرف weboo